عبارات ثرية و هادفة لخدمة الانتاج 👇👇👇👇👇👇👇👇👇👇👇قَدِمَ الشِّتاءُ بِثُلوجِهِ وَعَواصِفِهِ،وخَلَتِ الحُقولُ وَالأَوْدِيَةُ إِلاَّ مِنَ الغِرْبانِ النَّاعِبَةِ،والأَشْجارِ العارِيَةِ،فَلَزِمَ سُكّانُ الْقَرْيَةِ أَكْواخَهُم،يَوَدُّونَ لَوْ تَأَخَّرَتْ زِيَارَتُهُ قَلِيلاً،فَقَدْ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُفْنُوا الحَياةَ بِجانِبِ المَوَاقِدِ.
غَمَرَتِ الظُّلْمَةُ البِطَاحَ وَالأَوْدِيَةَ،وبًدأَتِ الثّلوجُ تَنْهَمِرُ بِغَزارَةٍ،وَالعَواصِفُ تُصْفِّرُ وَتَـتَسارَعُ مُلَعْلِعَةً مِنْ أَعـالِي الجِبالِ نَحْوَ الُنْخَفَضاتِ،حَامِلَةً الثُّلوجَ لِتُخْزِنَها فِي الـوِهَادِ، فَتَرْتَعِشُ لِهَوْلِها الأَشْجارُ، وَتَـتَمَلْمَلُ أَمامَها الأرْضُ.فَنَثَرَتْ ٱلرّيَاحُ ما تَسَاقَطَ،في ذلِكَ النّهارِ،حَتّى أصبَحَتِ الحُقُولُ وَالطُّلُولُ وَالمَمَرَّاتُ كَصَفْحَةٍ واحِدَةٍ،بَيْضاءَ،يَكتُبُ عَلَيْها المَوْتُ سُطُورًا مُبْهَمَةً ثُمَّ يَمْحوها؛ وَفَصَلَ الثّلجُ بَيْنَ الْقُرى المَنْـثُورَةِ عَلى كَتِفَيْ الوادي، وَتَوَارَتِ الأَنْوارُ الضَّئيلَةُ ٱلَّتِي كانَتْ تُشَعْشِعُ فِي نَوافِذِ البُـيُوتِ وَالأَكْواخِ الحَقيرَةِ،وَقَبَضَ الرُّعْبُ عَلى نُـفوسِ الْفلاحينَ،وَٱنْزَوَتِ الْبَـهائِمُ بِقُرْبِ المَعالِفِ، وَأَحَسَّتْ الكِلابُ أنّ عَلَيْهَا الاخْـتِبَاءَ فِي مَرْقَدِهَا،فَبَاتَتْ كَسِيحَةً صَمَّاءَ.وَلَمْ يَبْقَ سِوَى الرّيحِ تَخْطُبُ وَتَضِجُّ عَلى مَسامِعِ ٱلْكُهوفِ وَالمَغاوِرِ،فَـتَخَالُ صَوْتَهَا الرّهيبَ أَسَدًا سَيَنْقَضُّ مِنْ أَعَالِي قِمَمِ الجِّبالِ .. خَمَدَتِ النّارُ في الْمَوْقِدِ، وَتَحَوَّلَتْ إِلى رَمادٍ ثُمَّ جَفَّ زَيْتُ السِّراجِ فَشَحَّ نُورُهُ بِبُطءٍ ثُمَّ ٱنْطَفَأَ. وَظَلَّتِ الْعاصِفَةُ الغَضوبُ تَزْأَرُ خارِجًا، وَ الجَوُّ القاتِمُ يَنْثُرُ رُقَعَ الُّثلوجِ، و الرِّياحُ العَنيفَةُ تَقْذِفُها يَمينًا وَشـمالاً،وَتُحارِبُ مَنْ أقَامُوا في الأَكْواخِ بالبَرْدِ القارِسِ وَ الزَّمْهَريرِ الشَّديدِ.
-جبران خليل جبران،عرائسُ المروج-