موضوع حول العمل
#العمل..
العمل !!! لا يشعر المرء بالكرامة إلا بالعمل و يحسّ بعذب الحياة إلا بالعمل ، فإن فقد الأول صار العذب عذاباً و بدت الحياة موتا دون الموت . كان أخي من المتفوقين فهو من النجباء و النابغين ، لم تمرّ سنة واحدة دون حصوله على المرتبة الأولى أو الثانية ، محبّ للعلم و التعلّم ، كثير القراءة و المطالعة و البحث عن كلّ ماهو جديد في مجال التكنولوجيا و الإعلامية ، مرحا تراه ، سعيد باسم ضاحك طوال الوقت ، فهو من يبعث في المنزل بهجة إذا تحدث و إذا مزح حوّل البيت إلى خشبة مسرح و الجميع منه زاهٍ و منشرح الصدر ، لكن حدث ما غيّر هذا بذلك ، فما إن نال شهادته الجامعية ، و بعدها بشهور من البحث عن موطن شغل لتحقيق طموحه الذي ما يفتأ يحدثنا به ، طالتAfficher la suite بطالته و كثر قبوعه بالبيت ، كره الخروج حتى للشارع أو المقهى ، كيف له أن يخرج وهو مفلس ، ساد صمته و زاد حزنه و خرس لسانه و هزل جسده و قلّ أكله و طعامه ، صار دائم الشرود كثير التأمل في كتبه ، شهاداته ، صوره القديمة رفقة أصدقاء له ، يقلب مذكراته بلا هدف ، حتّى إذا ناديته لا يجيب فهو جسد بلا روح ، تظنه يسمعك وهو لا يسمعك ، تظنه أمامك وهو قد سافر بعقله بعيدا ، فأمامك الجسد و العقل و الفكر قد سافرا ، رحلا ، ابتعدا إلى حيث لا نعلم ، رقّ قلبي على حاله و حزنت كثيرا ، كنت أوّد محادثته و لكن كيف ؟ وهو يكبرني عمرا و يفوقني معرفة و يعلوني ذكاء ؟!! أتراه بحاجة لطفل صغير يرشده أم لعقل قصير يذكره ، و ذات مساء و أنا عائد من المدرسة ، عزمت و أنا أحدث نفسي بأن لا أترك أخي تلتهمه الأحزان و تفترسه الخيبات ، لابدّ من مواجهته بالقول و الحجة . الحجة و أي حجة أمتلكها لإقناعه وهو قد علم أن العمل صار مستحيلا و الشغل معجزة إن حدث ، أي حجة و أي دليل أدمغه به !!! و لمّا وصلت المنزل رأيته منزو في ركن البيت عند نافذة مطلة على الحديقة ناظرا ، اقتربت منه بعد التحية و قلت :" أنت تكبرني عمرا و علمت و تعلمت من الدنيا ما أجهله منها و عنها ، أنت أتممت تعليمك الجامعي و صرت مهندسا و أنا مازلت أصارع المسائل البسيطة و تغلبني الاتجاهات ، أنت صاحب شهادة نعم و أنا لا شيء معي غير هذه المحفظة الثقيلة و إنّي لا أعلم إن كانت ستواصل معي المشوار أم تفارقني و أفارقنا ، اعلم يا أخي أن أبينا لم يولد متعلّما و لم يسعفه الحظ لنيل ما نلته ، فهو أميّ القراءة و الكتابة ، يجهل ما تكتبه و لا يدرك ما تقرأه و لكنّه جعل منك مهندسا ، فهو يكدّ بجهده و بيديه الملطختين بالعرق و الطين صنع لك مجدا ، ألاّ وهو طريق العلم فلا تقف مكتوف الأيدي ، و لا تنتظر ماتراه بعيدا ، و أخرج مما أنت فيه من طول تفكير ...." فقاطعني بزفرة طويلة وهو يقول :" أتريدني أن أعزق الأرض بفأس ...و أنا صاحب شهادة في الهندسة ...لا لن أفعل هذا فأنا لا أحسن الزراعة و الحرث و لا أجيد مسك الرفش و الفأس ...لن أفعل " اقتربت منه قائلا :" إن الله خلقنا لنعمل و نرضى بالقليل حتّى يرزقنا بكثيره ، أمرنا أن نشتغل بالعقل و الساعد ، فإن عجز العقل كان الساعد بديلا و إن عجز الساعد كان العقل هو المنفذ و المنقذ "
نظر إليٌ نظرات مطولة فيها حزن شديد و ألم كبير و كأني به يحدث نفسه '" أيضيع من العمر سنوات ، و من الوقت أوقات ، و أنا في تلك الليالي بين الجدّ و الجدّ ، و بين المثابرة و المثابرة ، و بين الحلم و الحلم ، أتضيع تلك اللحظات و أنا بين الفرح و الفرح ، و الأمل و الأمل " ثمّ قال لي :" لا لن أعمل مع أبي في الحقل ، فكما تعلم أني ضعيف البنية ،هزيل الجسم لا أقدر على العمل الشاق و لكن سأحاول العثور على عمل آخر ، أجل ، فالله خلقنا لنعمل بجدّ و نلتمس الرزق ، فإن لم يأت ذهبنا إليه " و ابتسم ، لقد عادت تلك البسمة بعد غياب طويل و غابت تلك الدمعة .
و بعد أيّام ليست بالكثيرة و ليست بالطويلة وجد أخي عملا مع أحد التجار ، صاحب مغازة جديدة في حيّنا و منذ تلك اللحظة عادت الفرحة للبيت و عاد إلينا مسرحنا المنزلي كما عادت له الحياة بعد أن فارقته شهورا ، و ماهي إلا شهور هي الأخرى حتى طرق بابنا طارق و معه رسالة من أكبر شركات البلاد تريد هذا النابغة أن يكون في مكانه الطبيعي مهندسا لا عاملا عند تاجر الحيّ.
#بلعيد .
الموقع يحتوي على اشهارات يمكنك استعمال الموقع بدون اشهارات في حالة الاشتراكالطريقة الوحيدة للاشتراك هو مراسلتنا على الوتساب على الرقم َValider votre compte
